و هؤلاء العشر شخصيات في لقاءاتهم قدموا وجهة نظرهم المحضة بدون التطرق الى اضفاء قيمة الخبر علي ارائهم و اكتفوا بفكرة ان اللقاءات هي رؤيتهم للمستقبل، لا اعلم هل ذلك دورمحمود مسلم الذى اجرى اللقاءات العشر ام رغبة الشخصيات في عدم التورط في الفعل.
هذا يدفعنا الي سؤال أهم، هل كان محمود مسلم يسأل بدافع الصحفي الذي يريد معرفة ماذا بالمستقبل من احداث ؟ ام انه يتفحص رد فعل اشخاص معينيين بما سيفعلونه في المستقبل، في حالة حدوث امور محددة . و أيضا يدفعنا الحديث الي دور هذه اللقاءات في فرض اسم جمال مبارك كخطوة من خطوات الخطة الموضوعة لترشحه ، و التي نري كيف انها كانت تدور رحاها و نحن لم نكن في غفلة بقدر ما كان التكذيب من داخل الحزب عال الصوت .
ان اهتمامى بتحليل ما دار في اللقاءات العشر نابع من ايماني الشديد بالتحضير لما هو آت،والحرص على استشراف المستقبل و البحث عن أى وسيلة نستطيع بها العمل من الآن لتجنب أكثر الاضراربقدر الامكان، او العمل على جلب اكبر قدر من الاصلاح .
الا ان هناك عدة امور لم تجعل الاستفادة من اللقاءات تبلغ درجة كبيرة، وهي التي تتلخص في التالي
1 – الضيوف ليسوا على درجة واحدة من العمل السياسي فمنهم رؤساء الاحزاب ( محمود اباظة ورفعت السعيد و اسامة الغزالي حرب ) ومنهم عضو مجلس شعب (حمدين صباحي ومصطفى الفقي ) ومنهم اعضاء من لجان احزاب (حسام البدراوي ومحمد كمال) واكادميين (حسن نافعة) ، والنافذين (د.احمد كمال ابو المجد ) .
2 – اختيارات الشخصيات كان بها اقصاء وبالتالي لم تمثل جميع التيارات السياسية في مصر المؤثرة فتم استبعاد الاخوان المسلمين و الوسط والسلفين رغم ما يمثل هؤلاء الثلاث من تواجد على مستوى الشعبي والسياسي حتى لو بصورة غير مؤسسية مثل الوسط ، ثم نجد ان الناصرين بتنوعهم وتواجدهم غير ممثلين الا بأراء شخص واحد هو حمدين صباحي الذي يحسب انه عضو مجلس شعب ورئيس مقترح ترشحه ، اكثر من كونه ممثل للتيار الناصري ويتحدث عنه وعن ردود فعله ونظرتهم للمستقبل في مصر ، ثم لا نجد تمثيل للحركات المعارضة غير الرسمية وعلى رأسها كفاية وخططها للمستقبل، والاكتفاء بالدكتور حسن نافعة الاكاديمي التي لا تمثل وجهة نظره العمل في الشارع .
3 – ان اغلب اللقاءات كانت تسير – لا اعلم اهو مقصود ام صدفة – في بعث اليأس من وجود اي تغير خارج نطاق الحزب الوطني او سيادة الرئيس ، وهو امر اشبه بكونه توجه عام في كل الاسئلة وقيادة الحديث .
4 – لا تظهر في الحوارات اي روح مقاومة من محمود مسلم فأنه يسمع الايجابات ولا يرد معقبا او مشككا او ناقدا وضع معين بل يكتفي بالاستطراد اوالسؤال في طريق اخر، ولذا فنحن لا نعلم ما مصداقية ما يقوله الضيف وبالتالي سنعتبر صدق جميع الايجابات رغم تعارض بعض الايجابات واعتبار ان هذا على سبيل عدم الفهم والاخذ في الاعتبار حسن النية .
اولا : اهم القضايا التي طرحت وتفصيل الاجابات .
1 – مستقبل الانتخابات الرئاسية 2011 هي اولى القضايا التي طرحت ، والتي نجد اجماع مبدئي على غموضها ، ثم نجد ان الاجابات التفصيلية تسير في طريق ترشح مبارك اوابنه جمال في هذه الانتخابات ، ولكن اراء من نوعية " ان مقدمات التغير عام 2010 هي ما ستحدد نتيجة 2011 " تجعل الوضع غامض فعلا، ولكن من عموم الاجابات نجد بوضوح الاجماع الا القليل على فوز مبارك الاب اذا قرر الترشح .
2 – نجد ان القضية الثانية الأهم هى السيد جمال مبارك و ظهوره الواضح كمرشح محتمل للانتخابات و التى اجمعت الآراء على ان فرصته قوية فى حالة عدم ترشح والده لأي سبب او فراغ سياسي ناتج عن قضاء الله ، نتيجة الوضع الدستوري المعيب .
و هنا يظهر السؤال الذى طرحناه فى المقدمة هل طرح السؤال بهذه الكثافة في اللقاءات في هذا التوقيت له دور خفي في مراحل الخطة المرسومة لترشح جمال ؟ فنحن كنا نسمع منه و من والده و من حواريه انه لا يفكر فى الترشح ، و لكن بداية من السؤال مباشرة بهذا الاسلوب "لو كان مرشح الوطنى جمال مبارك هل سيكون توريثا" و تكرار السؤال علي العشرة ضيوف في تنويعات مضاف اليها دائما ميزة حميدة مثل "هل ممكن ان يرشح جمال مبارك نفسه كأول رئيس " مع الاخذ في الاعتبار التنوع حسب الضيف معارضا ام مواليا، وذلك لخدمة الهدف من هذه الخطوة .
و رغم كل ذلك فإن الاجابات اجمع أغلبها على أن الشكل في حالة ترشح جمال عن الحزب الوطنى سيكون توريثا ، ولكن اختلف المضمون بين مؤيد و معارض، مثلا كانت الاجابات مثل "المسألة مختلفة لانني ارى تركيبة الحزب و الخبرات التى اكتسبها خلال التسع سنوات الماضية جعلته احد الخيارات داخل الهيئة العليا ثم المؤتمر العام "وهذا كان جزء من رد د.حسام بدراوي وهو المشير مما لايدع مجال للشك عن مكانة جمال مبارك، وكانت المعارضة اجابتها قوية بالنسبة للمضمون كرد حمدين صباحي "انا اري ان ترشيح جمال مبارك به نوع من الاهانة الاخلاقية للمصريين " الا ان هناك من رفض مبدأ شخصنة الموضوع فى اسم جمال مثل رفعت السعيد الذى وضح ان "الموضوع هى انتخابات حرة بغض النظر عن الاشخاص"
3 - عند التحدث عن تعديل الدستور لم يكن الامر متروكا لتوضيح اراء الضيوف عموما فى الدستوربل كان الاقتصار علي المادتين 76 و 77 و هما ما اختلف الاجماع عنهما، فبالنسبة للمادة 76 الخاصة بشروط الترشح للرئاسة وصفت كمادة معيبة و هو الامر الذى اكد عليه الجميع و طالبوا بتغييرها ، وان اختلف وقت التغيير قبل انتخابات 2011 ام بعدها ؟ !! اما المادة 77 فهى اقترنت بالسيد جمال مبارك كاحد الاصلاحات التي سيقدمها مثلما عرضها مسلم في سؤال "هل لو ترشح السيد جمال مبارك على انه اول رئيس مدنى و سيغير المادة 77 سيكون مقبول ؟" و قد اجمع الجميع علي المطالبة بتغييرها ضمنيا او بوضوح مثلما اكد رفعت السعيد "نحن نرفض ان يظل الرئيس ابدا فنحن نعترض علي ذلك 25 سنة كفاية اوى"
4 - اما عن قضية التدخل الاجنبى فى اختيار الرئيس: فقد كان من اكثر اللقاءات اثارة للنقاش لأنه تحدث عن الموضوع بصراحة متناهية بدون لف ولا دوران الدكتور مصطفي الفقي في تصريحه المعدل " لا اعتقد انه سيأتى رئيس عليه فيتومن امريكا واسرائيل" و رغم انه امر مفروغ منه بل اكده كثير من المحللين و المفكرين بعد ذلك ، حتى باقى الضيوف حاموا حول نفس الرأي في أهمية قبول اسرائيل و أمريكا الرئيس المرتقب و هو امر فى غاية الوضوح نظرا لأهمية مصر سلبا و ايجابا لمصلحة الدولتين الا أن الاعتراض كان على عمق ذلك القبول أو الرفض و هو الامر الذى اثار حفيظة الكثيرين علي د. مصطفي حتي ان المتحدث باسم الرئاسة قد راجعه في ذلك دون ان ننسي ما علق به أ.حسنين هيكل عن ذلك و اتهامه للدكتور الفقى بأنه ضليع فى هذه النتيجة التي وصلنا إليها ...
و لكن تبقى كلمة لم تذكر في اللقاءات و لكن بالمشاهدات العامة ترى و هي أن النظام في امريكا قد صرح أكثر من مرة انه علي استعداد على التعامل مع أى طرف يحكم مصر بل اكثر من ذلك فإنه يمد جسورا من التعاون مع كل الأطراف فى مصر كما تفعل مع كل العالم، عدا القاعدة و معاونيها و الذين لا يتواجدون فى مصر بالصورة المكشوفة. وبالتالي فان اي تيار في مصر لا يوجد عليه فيتو امريكي صريح وهو الفيتو الاهم .
5 - الاخوان المسلمين : تراوحت اجابات الضيوف بين التأكيد علي ان الاخوان سيتركوا الساحة تماما في هذه الفترة أو عقد صفقة مع النظام لتمرير التوريث فى مقابل فوائد لهم أو حتى مجرد مساومات كما أكد رفعت السعيد .
ثانيا : استنتاجات عامة
عندما تقرأ العشرة لقاءات مرة واحدة بالتوالى ستجد ان هناك مجموعة من الاستنتاجات السريعة تظهر بدون أى تفكير عميق .
1- التأكيد علي نجاح الرئيس مبارك فى حالة ترشحه و هو الأمر الوارد جدا حدوثه،وذلك يظهرفي اجابات مثل "الرئيس قطع على نفسه عهد أنه سيظل يعمل لمصلحة مصر حتى آخر نفس"أو مثل " مادام نظامنا السياسي كما هو بنفوذه و ما يجري العمل به فأتوقع ان يرشح الرئيس مبارك نفسه" "طبعا الرئيس فى مصر هو الذى يقرر" ، "طبعا الرئيس مبارك" و اجابات اخرى نرى فيها ضمنيا اليأس عن أي تغيير خارج رأى و فكر الرئيس .
الا ان اجابة مثل "عدم حسم الرئيس الموضوع وانه يفكر كثير " التي اجاب بها د.أحمد أبو المجد لا تعطى الأمل بقدر ما تؤكد علي انه قرار متفرد به .
2- ظهر بوضوح وجود فريقين داخل الحزب الوطنى بل ان هناك رجال اقرب و رجال يديرون و رجال حول الرئيس و بينهم تنازع واختلافات تصل الى افساد خطط كلا من ناحية الآخر، ونجد ذلك في اجابات متناقضة داخل الحزب الوطنى والممثلين له من العشرة ضيوف وكانت اجابتهم المتناقضة مثل " قيادات الحزب اعلنت انه لا تعديل في الدستور الان " ونجد اجابة اخرى "ارى انه من الممكن تعديل المادة 76 في فترة مقبلة او المادة 77 ايضا " واجابة اخرى عن المادة 76 " كل مااستطيع قوله انها مادة سيئة وممن يتمنون تعديلها" وايضا " انا اقرب الى فكر الرئيس واقول انه يفكر ان يقود ثورة بيضاء ناعمة توظف المشاعر ...... وتشمل تعديلات دستورية ..... ومواد اخرى اوسع ...." أو ان يصرح احد القيادات بان " نحن نحمل على كاهلنا كل مافعله الحزب في الفترة السابقة " او "احتمال ان يكون هناك معركة داخل الحزب اذا حدث فراغ ولم يرشح الرئيس نفسه"
3- المعارضة في مصرمنقسمة بين فريقين او اكثر، وهذا ما نجح فيه النظام ، فنجد مسطلحات تطلق من فريق معارض على الاخر، مثل المعارضة المؤسسية كالاحزاب في مقابل المعارضة الفردية ، او المعارضة الرسمية في مقابل معارضة الشارع ، او المعارضة الحقيقية والمعارضة المستأنسة ، وكلها اوصاف تفتت القوى المطلوبة للمعارضة،وهذا صنيع النظام بذكاء واجج ذلك ليؤكد تفرق المعارضة، لينجح من النيل منها في اطار نظرية فرق تسد، وللاسف انطلت هذه الفكرة بين كافة فرق المعارضة والتي لا تدري ان نجاحها يكمن في التوافق على خطة ومرشح واحد، وان يدعم من كل القوى المعارضة بمختلف طوائفها . والغريب اعتراف قيادى لحزب كبير عريق بأن " الاحزاب ديكورات " .
4- اجمع الضيوف عدا ايمن نور على عدم وجود ظهور في الفترة القادمة له (ايمن نور) بل ان احد الضيوف قال " هو كان له شعبية اصلا" وهذا امر جعل السؤال عن البرادعي امرمفروض كبديل توافقي للمعارضة مرتقب رغم ان البرادعي لا يسعى اصلا الا لعمل تغير في المجتمع والدفع به في اطار الديمقراطية .
5- انتخبات مجلس الشعب القادم مع الشورى قبلها ستكون اولى جولات معارك التغير وهذا ما رتب له الحزب الوطني بتركيز كبير بعكس باقي الاحزاب الضعيفة فعليا ، والامل سيأتي من المستقلين او تكتلات المعارضة غير الرسمية ، ولكن من صالح الحزب ان تكون على نفس شكل التكوين لمجلس 2005 وهو ماسيسعى اليه بدون الدخول في رهانات او مغامرات او حتى تنازلات بغرض تحسين صورته ويبقى الاخوان كقوة متأهبة كالعادة بدون تداخل حقيقي .
6- اكثر الاستنتاجات غموضا والاكثر تضارب في الاراء التي طرحت ليس من ضيف الى ضيف ولكن في حديث الضيف نفسه ، هي امكانية حدوث تعديلات دستورية وهي التعديلات التي تتمحور حول المادتين 76 و 77 والتي من الارجح ان يتم تعديله اما طبقا لما صرح خلسه به اغلب الضيوف النافذين او اشاروا الى ان النقاش يدور حولها في عقل سيادةالريس ، والذي صرح احد المقربين اليه " اذا ابدى رايا عنده استعادا اكبر مما يظن الناس للعدول عنه ..."
7- لن يسمح باشراف قضائي وان ممكن ان يسمح باشراف مدني ووارد الاستعانة بمراقبين دوليين في انتخابات مجلس الشعب والشورى .
8- الاعلام الرسمي حائر بين اكثر من جهة وهذا يصب ايضا في اطار وجود القوتين المتصارعتين داخل مؤسسة الحزب .
9- رغم وجود تلك القوى فان اللقاءات اكدت على اي تغير ينبع اساسا من الرئيس ومستشاريه والذين يختلفون عن